روايه قلبي موجوع الفصل التاسع 9الأخير بقلم نجلاء لطفي

  


روايه قلبي موجوع 

الفصل التاسع 9الأخير 

بقلم نجلاء لطفي 

بقيت بجواره اهتم بطعامه وأدويته حتى شفي تماما وعندها قبل يدي وقال:

- لو لفيت الدنيا كلها مش هالاقي زيك ولا هاحب حد زيك أبدا، كفاية خصام بقى

-أنا كمان بحبك جدا وعشان كده كان زعلي منك كبير

-مافيش زعل تاني أوعدك


عادت الحياة بيننا كما كانت من قبل لكني لم أعد كما كنت بل صرت شديدة الاهتمام بشكلي وبه، كنت احرص على قضاء كثير من الوقت معه، وأحضرت زينات جارتنا في بيت أبي وهي سيدة في الخمسينيات من العمر بلا أولاد ومات زوحها وليس لها مصدر دخل،لترعى البيت والأولاد في غيابي.كانت تقوم بمهامها حتى موعد عودتي في الخامسة مساءا ثم تعود لبيتها. كنت أعود قبل عاصم فأراعي سارة ومحمد وأطعمهما وألعب معهما، ثم أهتم بشكلي وزينتي حتى موعد عاصم فنجلس معا نتحدث ونتناول الطعام ونلعب مع الأولاد، كما كنت أراقب مركز التجميل من خلال كاميرات مراقبه مرتبطة بموبايلي فأعرف ما يحدث في غيابي، فمنذ ذلك الموقف لم تعد لي ثقة مطلقة بأحد.

مضت بنا الحياة لم يعكر صفوها أي شيء سوى بعض الخلافات البسيطة العادية بين أي زوجين لكن الحب والتفاهم والعشرة بيننا كانت تجعلنا نتجاوز أي خلاف بسلام وهدوء. كبر التوأم والتحقا بالمدرسة في عامهما الأول فصارت مشاكلهما مختلفة وإزعاجهما بلا حدود وتحول البيت وقت عودتهما من المدرسة لساحة قتال تظل مشتعلة حتى موعد نومهما وكان علي أنا وزينات التي تعشقهما أن نتعامل مع هذا الضجيج . لم أقصر في اهتمامي بعاصم كزوجة ،كما حرصت على أن أشاركه في معرض أكبر لقطع غيار السيارات في منطقة أرقى ليزداد دخلنا من جهة ومن جهة أخرى لينشغل زوجي ولا يجد وقتا للعبث.


بعد عام من افتتاح المعرض الجديد زارتنا حياة مع ابنتها رنا وأخبرتنا ان زوجها الثري توفي بعد عامين من إنجاب ابنتها بالتلقيح الصناعي وأن أبناؤه الكبار شككوا في نسب الفتاة وحرموها من الإرث فرفعت عليهم القضايا حتى حصلت أخيرا على نصيبهما من الميراث وأرادت أن تعود لمصر لاستثماره وترغب في البداية في شراء شقة كبيرة للسكن وأخرى لتفتح بها أتيليه كبير للأزياء كما كانت تحلم دائما.وقالت لعاصم:

-عاوزاك تساعدني في اختيار شقتين كويسين

-بس أنا ماليش خبرة في المجال ده

وتركنا ودخل غرفته لينام فهو لا يطيق وحودها وطريقة كلامها كما أخبرني أكثر من مرة.

فقلت لها:

-ماتقلقيش أنا أعرف زبونة عندي جوزها عنده عمارات كتير في مناطق شيك هاكلمها ولو تحبي أجي معاكي أنا تحت أمرك

-أصلي ما كنتش عاوزه أعطلك عن شغلك وبيتك

-ولا تعطليني ولا حاجه المهم تلاقي حاجه تناسبك ، هتقعدي في الفندق ولا شقة مفروشة لحد ما تلاقي شقه؟

-في الفندق عشان حد يخدمني انا معنديش وقت أضيعه في شغل البيت

-ورنا مين هيرعاها؟

-أهي رنا دي مشكلة وصداع كبير ومش عارفه أراعيها ولا أتعامل معاها ولا أدخلها أنهي مدرسة تعبانه بيها ومعاها جدا

-سيبيها هنا مع الولاد تروح معاهم المدرسة وترجع و زينات بتراعيهم لحد ما تستقري وتجيبي لها دادة

-فكرة حلوة وتبقي شيلتي من على قلبي هم كبير بس جوزك هيرضى؟

-اخص عليكي بقى الجميلة دي هم؟ مالكيش دعوة بجوزي أنا هاقنعه اهي سنها قريب منهم وهتلعب معاهم وتروح معاهم المدرسة ويبقوا ونس لبعض.


تركتها وكأنها كانت تتحين الفرصة لتتخلص منها بعد أن كانت وسيلتها للحصول على ميراث كبير فقط وعندئذ انتهى دورها وعلى حياة أن تعيش حياتها دون أن تعيقها رنا. استطعت شراء شقتين متسعتين لها ومتجاورتين في نفس العمارة، وبدأت حياة في إعداد إحداها للسكن والاخرى للعمل، وفي ذلك الوقت اندمجت رنا مع التوأم وفوجئت أنها متعثرة في الكلام كما تعاني من تبول لا إرادي وسلوكياتها غير منضبطة فأوليتها اهتمامي وبدأت في علاجها مع طبيب أولادي ،فتلك المسكينة تدفع ثمن إهمال أم لا تعرف معنى الأمومة ، أم كل همها جمع المال فقط ولا تبالي حتى بفلذة كبدها ولا تعلم أن هناك الألاف يحلمون بطفل يملأ عليهم الحياة بينما هي تهمل ما أنعم الله عليها به. بدأت رنا تتحدث بشكل أفضل خاصة بعد اندماجها مع أولادي ومع زملائها في المدرسة ، كما تحسن لديها التبول اللا إرادي بعد أن توقفت سخرية الأولاد منها ومن تلعثمها ، كما عرفت منها أن مربيتها السابقةكانت تكويها بالنار عندما تتبول في ملابسها وطبعا حياة لا تهتم ولا تتابع تربيتها وتتركها للمربية تفعل بها ما تشاء، فطمأنتها أنني وزينات لن نفعل بها شيئا. كانت الفتاة الصغيرة تحتاج للحب والرعاية والإهتمام فلما وجدتهم عندي تعلقت بي وتحسنت نفسيتها فسعدت بذلك كثيرا فقد أحببتها منذ أن رأيتها لأول مرة وصارت هي تناديني ( ماما إلهام).

انشغلت حياة كعادتها بعملها ونسيتني تماما بل وحتى نسيت رنا ولم تعد تسأل عنها ، فكنت أحدثها وأوبخها على جفاء مشاعرها تجاه ابنتها فكانت تتحجج بانشغالها وأنها لم تجد بعد مربية مناسبة للفتاة وكم نصحتها أن ابنتها تحتاج للحب والرعاية لا لمربية فقط فكانت تسخر مني وتقول

-سبتلك الحنية والأمومة يا ام قلب طيب.


أبقتها معنا لمدة عام وكانت تراها على فترات متباعدة بعد إلحاح مني، ثم أصبحنا نراها في نهاية كل أسبوع وتقضي اليوم بأكمله معنا بحجة رنا.

كان عاصم في البداية متأففا من وجود حياة معنا يوم عطلتنا فهو اليوم الذي نتجمع فيه ويريد أن يكون براحته معنا، فكان غالبا ما يترك لنا البيت ويخرج او يقضيه نائما او يشاهد مباريات الكرة في غرفتنا، ثم تأقلم شيئا فشيئا مع الوضع وصار يقضي اليوم معنا ولم يعد يتذمر من وجودها، بل ويجلس معنا ويستمتع باللعب مع الأولاد ويضحك على دعابات حياة ويشير عليها بالرأي في مشروعاتها.

طلبت من حياة كثيرا أن تأخذ رنا معها لبيتها -رغم تعلقي الشديد أنا وأولادي بها- لكن وجودها مع أمها أفضل لهما، فيجب أن تتحمل حياة مسئولياتها كاملة، كما يجب ان تحيا رنا مع أمها ككل الأطفال وتشعر بالإستقرار لكن حياة كعادتها كانت تتنصل من مسؤوليتها وتلقيها علي. كنت أشعر بداخلي بقلق من قرب حياة وعاصم المفاجئ لكني كنت سرعان ما أطرد تلك الوساوس وأقول لنفسي:

-عاصم بيحبني ومستحيل يستغنى عني، كمان مهما كانت أنانية حياة مستحيل تفكر في جوزي ده متحرم عليها حتى أكيد هي بتعامله زي أخوها.

في نهاية العام الدراسي طلبت حياة أن تأخذ رنا لتعيش معها بعد أن نظمت حياتها وأحضرت لها مربية متعلمة لتساعدها في دروسها أيضا، وافقت وقلبي يتمزق فقد أحببتها كإبنتي وتعلق بها التوأم بشدة فكان فراقها صعبا على قلوبنا جميعا ، لكنه في مصلحتها فكان علينا ان نتمتثل للصواب ووعدتنا حياة ألا تنقطع عن زيارتنا وكعادتها حنثت بوعدها. ازداد انشغال عاصم في العمل بحجة زيادة ضغط العمل فكنت أتابع معه العمل أحيانا لأتأكد من صدقه ، فخيانته الأولى نزعت من قلبي الثقة التامة به، كما أني شريكته في العمل فكنت أعرف كل تفاصيله.

تغيب عاصم عن البيت عدة أيام لاستلام بضائع من ميناء الإسكندرية ، فكنت أطمئن عليه باستمرار في أول يومين وفي اليوم الثالث كان هاتفه مغلق باستمرار فكنت أتصل بهاني مساعده فأخبرني أنه لا يعلم عنه شيئا وأنه يشعر بالقلق لأن أخر مكالمة بينهما كان يخبره بأنه على وشك استلام البضاعة وكان ذلك بالأمس ، ثم انقطع الاتصال به، فطلبت منه السفر إليه فوراً فربما أصابه مكروه فاعتذر لأن والدته في المستشفى ولا يستطيع تركها بمفردها، فقررت أن أترك أولادي عند حياة مع مربية ابنتها وأسافر للإطمئنان عليه.

حاولت الاتصال بحياة كثيرا لكن كان هاتفها مغلقا فأخذت الأولاد معي في السيارة فإن لم أجدها ساصطحبهما معي لأن زينات مريضة ولا تستطيع رعايتهما. عندما وصلت لعمارة حياة فوجئت بسيارة عاصم أمامها ولكني قلت ربما من شدة قلقي عليه أظن أن كل سيارة تشبه سيارته وخاصة أنها جديدة ولا أحفظ أرقامها، شعرت بغصة في قلبي ودعوت الله أن يكتب لنا الخير وتركت التوأم نائمين في السيارة وأغلقتها جيدا وأوصيت عليهما حارس العقار لأن الليل أوشك عل الحلول والشارع هادىء إلى حد ما، وصعدت لشقتها لأتأكد من وجودها هي أو المربية وجسدي كله يرتجف قلقا على عاصم، وقرعت الجرس عدة مرات حتى فتح الباب وكانت صدمتي شديدة عندما وجدت عاصم فقلت بذهول:

-عاصم انت هنا؟ انا قلقت عليك وموبايلك مقفول على طول ما جيتش على البيت ليه؟ حياة كويسة؟ انت بتعمل إيه هنا؟ رنا جرالها حاجة؟

لم يجبني إنما ظهر الحزن في عينيه وأشاح بوجهه عني فسمعت صوت حياة وهي تقول:

-أنا كويسة جدا، وطبعا بتسألي عن سبب وجوده هنا ، بس مافيش حاجه تمنع واحد من مراته

-مراته؟ إزاي؟ ده حرام انتي ماتجوزيش له

-هي ورقة الطلاق ماوصلتكيش؟ ده مطلقك من يومين طلاق بائن يعني مافيهوش رجوع واحنا اتجوزنا النهاردة

-طلاق؟!!

اتجهت إليه وأمسكت بملابسه وأنا أصرخ بهيستيريا:

-حقيقي طلقتني ياعاصم؟ طلقت حب حياتك زي ماكنت بتقول؟ وعلشان مين ؟ علشان حياة؟ أختي؟ اللي ضحيت بشبابي زمان عشان تتعلم وتعيش زي الناس وماتبقاش شغالة في البيوت؟ هو ده رد الجميل؟ وإنت ده الحب اللي كنت بتحلف بيه ليل نهار؟ هو ده يمينك إنك مش هتخونني ولا تسيبني؟ طب ليه؟ انا عملت إيه عشان تطلقني؟ هان عليك كل ده؟ وهان عليك أولادك؟ وعشان مين عشان حياة اللي ماكنتش طايقها؟ كل ده كان كدب؟ كل ده وهم كنت عايشة فيه؟ كنت بتحلف بحياتي وبحبي دلوقتي مابقيتش تحبني بين يوم وليلة؟؟ ليه؟؟ قولي ليه؟؟ قصرت معاك في إيه؟؟ إنت فاكر إنها ممكن تعمل لك رُبع اللي عملتهولك؟ دي أنانية مابتعرفش تحب حتى بنتها مش ده كلامك؟ فاكرها هتحبك انت؟

لم يُجبني إنما ظل صامتا مطأطئ الرأس خجلا أما حياة فكانت تضحك وتقول:

-هاديله اللي عمرك ما تقدري تديهوله حلم عمره هاحققهوله وبعدين مع عاصم عرفت معنى الحب فعلا وبحبه وبيحبني خلي عندك كرامة وانسحبي من حياتنا

نظرت لهما بإشمئزاز والأرض تميد بي وقلت:


- ربنا ينتقم منكم وعمري ما هاسامحكم وحقي وحق أولادي مش هاسيبه ، حسبي الله ونعم الوكيل

سقطت بعدها منهارة فالصدمة كانت أكبر من كل تصوراتها ومن قدرتها على الاحتمال، فطعنات الغدر جارحة لكنها قاتلة عندما تكون ممن نحب.

رواية انتقام خاطئ كامله جميع الحلقات من الأول



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-