روايه قلبي موجوع
الفصل الرابع 4
بقلم نجلاء لطفي
دخلت حجرتي وجلست على طرف السرير ودخل أشرف بعد عدة دقائق مرتبكا وجلس أمامي على الكرسي وعمنا الصمت لدقائق ثم قال أشرف مرتبكا:
-إلهام إحنا مش غرب عن بعض وطول عمري باعزك وباقدرك عشان كده عايز اعترفلك بحاجه
رفعت رأسي إليه وقلت:
-قول يا أشرف فيه إيه؟
-أنا ... أنا..ما أقدرش أكون زوج ليكي ولا لغيرك انا...عاجز
صمت لبرهة وأنا لا أعرف هل أفرح لذلك فقد كان زواجه عبء على قلبي، أم أحزن من أجله فليس كل رجل يقدر على مثل هذا الاعتراف بسهولة، تمالكت نفسي واقتربت منه ووضعت يدي على كتفه وقلت وأنا أبتسم مشفقة عليه:
-كل مشكلة ولها حل وأكيد بالعلاج حالك هيتغير، أنا مراتك وبنت خالتك وستر وغطا عليك
ابتسم لي شاكرا واخذ ملابسه وذهب لينام بالغرفة الأخرى.
وظل حالنا هكذا حتى ماتت خالتي وهي تتساءل لماذا لم ننجب حتى الأن فأخبرتها أن لدي مشكلة وأخضع للعلاج فظلت تدعو لي حتى وفاتها، فلم أقدر على حزنها إذا علمت بعيب ولدها وخاصة وأنها المتسببة فيه بسبب تدليلها الزائد وتحملها كل المسئوليات عنه وخوفها المرضي عليه، حتى أنها لم تسمح له بالتعرف على أية فتاة وكانت دائما تقول له الحب عيب وحرام فنشأ ضعيف الشخصية، مهتز نفسيا، وغير واثق في نفسه.
كنت في البداية راضية بعيب أشرف واتخذه كمجرد واجهة تحميني من كلام الناس وكنت منشغله بجمع المال لأحقق حلمي بامتلاك مركز تجميل وقد حققت حلمي بعد سنوات من العمل عندما أرادت مدام كوثر بيع مركز التجميل بسبب سفرها للخارج فعرضت شراؤه ولكن المبلغ الذي ادخرته لم يكن كافيا فوافقت على أن أدفعه وكل ثلاثة أشهر أضع مبلغا في حسابها البنكي حتى أسدد المبلغ المطلوب كاملا وعملت لي توكيل للتصرف في كل شئون المركز وأن أبيعه لنفسي عند اكتمال المال وقد أمنتني عليه. عملت ليل نهار حتى استطعت سداد المبلغ واشتريت سيارة صغيرة مستعمله لترحمني من سخافة الرجال في المواصلات. كنت منشغله عن حياتي كإنسانة بعملي، أما الأن فشعرت باحتياجي لرجل حقيقي في حياتي ولأن أشرف لن يكون هذا الرجل أبدا فقررت أن الطلاق هو الحل الأمثل لكلينا.
غفوت قليلا من شدة ارهاقي وتوتري وأفقت على صوت هاتفي كانت هبة الفتاة التي أثق بها وأترك معها مفاتيح المحل لتأتي مبكرة عني وتفتحه فأخبرتها أني سأتأخر قليلا. نهضت من فراشي واغتسلت ودخلت المطبخ لأعد كوبا من الشاي فوجدت أشرف يصنع قهوته فقلت له مازحة:
-ريحة القهوة تجنن
-اعملك معايا
-ياريت انا دماغي هتنفجر مانمتش كويس
-لازم مقهورة على فراقي
فضحكت وقلت:
-اوعى تكون فاهم إنك هتخلص مني بسهولة ده أنا هاشحططك في المحاكم
-قوية وتعمليها
ضحكنا وجلسنا نحتسي القهوة فقال لي:
-هتعملي إيه؟
-هارجع بيتنا القديم لغاية ما ألاقي شقة سعرها معقول جنب شغلي وبعدين اتنقل فيها، بس اعمل حسابك هتفضل ماسك حسابات السنتر بتاعي انا مش بأمن لحد غيرك
-من غير ماتقولي أنا عمري ما هاتخلى عنك إحنا إخوات
فقلت بمرارة:
-وحياتك بلاش إخوات دي أصلي باتشائم أديك شايف اخواتي ولا كأنهم يعرفوني كل واحد انشغل في حاله ونسيني حياة اتجوزت راجل أد جدها عشان الفلوس وحسين بيتنقل من بلد لبلد لما نسيني ويمكن نسي نفسه، خلينا ولاد خالة أحسن.
انتهينا من قهوتنا وجمعت ملابسي وكل حاجتي في حقيبتين ووضعهما أشرف في سيارتي وانطلقنا نحو المأذون وتم الطلاق بهدوء وعاد بي أشرف لبيت أمي ووصع لي حقائبي في حجرتي وقال:
-خلي بالك من نفسك
-ماتنساش تعزمني على فرحك ولا العروسة مش هترضى
-انتي تيجي من غير عزومة
-ربنا يسعدك
-وانتي كمان انتي انسانه جدعة وتستاهلي كل خير.
عدت لبيتنا القديم وقضيت اليوم في ترتيبه وتنظيفه حتى انهكني جسدي وتناولت طعاما ارسلت لشراؤه ونمت ولأول مرة منذ زمن أشعر بالراحة فأنا اليوم حرة بلا أعباء ولا التزامات ولا مسئوليات، يالها من نعمة كنت افتقدها منذ زمن.
انشغلت في عملي وحرصت على تغيير ديكورات مركز التجميل كما حرصت على توسعته وشراء المحل المجاور له بعد أن بعت سيارتي وبعض قطع ذهبية كنت اشتريتها من مالي عندما كنت متزوجة من أشرف الذي كان يتكفل بكل مطالبي ويرفض أن انفق مليما في بيته ، استنزف ذلك التغيير كل مدخراتي وصرت مدينة للمهندس بعشرة آلاف جنيه فأرسلت لأخي وأختي لأقترضهم منهم لكنهما تحججا بعدم وجود سيولة لديهما رغم عمل أخي في دولة خليجية براتب كبير ولم يتزوج بعد، وزواج أختي من ثري يكبرها بكثيرفعاهدت نفسي ألا ألجأ لهما أبدا وأن أحتسب عند الله شبابي وجهدي ومالي الذي أنفقته عليهما ، فكتبت وصل أمانة للمهندس ووعدته برد المال في أسرع وقت.
أقمت حفل افتتاح ضخم للمركز ودعوت كل زبوناتنا وأنشأت صفحة للمركز على الفيسبوك وجعلت هدى إحدى الفتيات العاملات لدي هي المسئولة عنها مؤقتا، وعملت ليل نهار لأسدد ديني قبل الوقت المحدد والحمدلله وفقني الله وأعانني على ذلك.
ذات يوم فوجئت بإمرأة منتقبة تدخل المركز وتسأل عني فرحبت بها فقالت:
-أنا عايزاكي في موضوع شخصي
-اتفضلي معايا في مكتبي
دخلنا المكتب فرفعت نقابها وقالت:
-أنا أخت عاصم
-عاصم مين؟
-صاحب المحل اللي قدام شقتك القديمة، اللي أنقذك لما...فتحي اتهجم عليكي
آه اهلا وسهلا أي خدمة-
-عاصم عرف إنك انفصلتي عن جوزك من حوالي شهرين ونص يعني عدتك قربت تخلص
وسكتت فقلت متعجبة:
-وبعدين؟
-هو يعني كان مستني عدتك تخلص عشان يتقدم لك بس خايف تتخطبي لحد تاني فبعتني عشان أقولك إنه عاوز يتجوزك
-بس اللي أعرفه إنه ما اتجوزش قبل كده فهيرضى يتجوز واحدة مطلقة؟
-غلبنا نقول له كده متأخذنيش يعني وهو يقول يا هي يا مش متجوز
ظهرت علامات التعحب على وجهي وقلت:
-غريبة رغم إنه عمره ما كلمني ولا يعرفني كويس
-احنا كلنا استغربنا برضه بس هو مصمم
-انتم مين؟
-أنا وأمي وإخواتي
-بس أنا ما أعرفش عنه أي حاجة عشان أقبل أو أرفض غير إنه عصبي جدا ودي حاجه تخوف مش تطمن
-ممكن تعملوا خطوبة عشان تتعرفوا على بعض
-مش عارفة أقولك إيه أنا اتفاجئت
-ممكن أديكي مهلة كام يوم تفكري واستنى ردك وهو زي ما انتي عارفه راجل دوغري ودمه حامي على أهله، بس طيب وحنين على أمه وعلينا، كمان عنده محل قطع غيار سيارات قدام بيتك القديم وبيدور على محل تاني عشان يفتح فرع جديد يعني كسيب وهيعيشك كويس، ده كل اللي أقدر أقوله لك عنه، فكري وهاجيلك تاني
-ده رقمي خليه معاكي وكمان يومين كلميني
تعجبت من أمر هذا الرجل الذي لم يتحدث معي سوى ليلة الحادث ورغم ذلك يرغب في الزواج مني والأكثر غرابة أنه لايريد سوى الزواج مني ويرفض غيري، ترى ما سره، ولماذا هذا الإصرار علي رغم علمه أني مطلقة؟ شغل تفكيري طوال اليومين وأنا أتذكر ملامحه المتجهمة ونظراته النارية التي كان يرميني بها عند عودتي متأخرة من عملي، وأذكر صراخه في وجهي عندما تهجم على فتحي فكانت تلك المرة الوحيدة التي تحدث فيها معي وكنت أشعر بنيران غضبه تكاد تحرقني، لكنه لم يبتسم في وجهي مرة أو حتى يحاول أن يلفت نظري له، فما سر رغبته في الزواج بي دونا عن غيري؟
حيرني أمره فقررت أن أنتظر اتصال أخته وأطلب لقاؤه لأستمع منه وأعرف لم أنا وليست غيري؟