روايه قلبي موجوع الفصل الخامس 5 بقلم نجلاء لطفي

 


روايه قلبي موجوع 
الفصل الخامس 5
بقلم نجلاء لطفي 

؟ شغل تفكيري طوال اليومين وأنا أتذكر ملامحه المتجهمة ونظراته النارية التي كان يرميني بها عند عودتي متأخرة من عملي، وأذكر صراخه في وجهي عندما تهجم على فتحي فكانت تلك المرة الوحيدة التي تحدث فيها معي وكنت أشعر بنيران غضبه تكاد تحرقني، لكنه لم يبتسم في وجهي مرة أو حتى يحاول أن يلفت نظري له، فما سر رغبته في الزواج بي دونا عن غيري؟
حيرني أمره فقررت أن أنتظر اتصال أخته وأطلب لقاؤه لأستمع منه وأعرف لم أنا وليست غيري؟
اتصلت بي أخته فأخبرتها أني قبل موافقتي أو رفضي أحتاج للكلام معه وهذا ليس معناه موافقة إنما لأستطيع تحديد موقفي، فطلبت مني تحديد المكان والزمان فاخترت اليوم التالي في السادسة مساءاً في مقهى قريب من مركز التجميل.
كنت مترددة في الذهاب وأشعر بالرهبة مما جعلني أصل متأخرة قليلا فوجدته جالسا في ركن بعيد يحتسي قهوته وتأملته بجسده العريض الذي يفوقني طولا ، وبشرته السمراء وشعره الأسود الناعم، لكني لم أكن أعرف لون عينيه. كلما اقتربت منه كنت أشعر بالتوتر خاصة أنه كان يراقبني منذ دخولي المقهى ، حتى وصلت إليه فنهض من مكانه ليرحب بي فابتسمت ابتسامه متوترة وجلست فجاء النادل فطلب لي عصير ليمون بالنعناع فتعجبت وقلت:
-مين قالك إني بحبه؟
-أنا بس شايفك قلقانه فقلت الليمون هيهدي أعصابك
-أنا مش قلقانه أنا مستغربه طلبك بصراحة ليه أنا؟
-ست محترمة وشايله مسئولية عيشتي بيننا ماحدش سمع صوتك حتى لما اتطلقتي محدش حس بيكي غير لما طليقك باع الشقة وعزل، يعني ست جدعة
-الكلام ده كلام عام ممكن تقوله لحد غيري انا سألتك سؤال محدد ليه أنا؟ خاصة وانت ما اتجوزتش قبل كده
-فيه أسباب ينفع أقولها دلوقتي وفيه أسبابما أقدرش أقولها غير لو حصل نصيب
-قول اللي تقدر تقوله دلوقتي
نظر في عيناي وقال:
-عاجباني ولأني راجل باخاف ربنا وعندي اخوات بنات فحبيت أدخل البيت من بابه
-بس انا ما أعرفش عنك حاجه
-أنا ولد وحيد على تلات بنات والدي سابلي محل قطع غيار صغير في حته شعبية ورثي أنا وامي واخواتي كنت باشتغل معاه وانا في الكلية واحوش عشان أسافر وأول ما اتخرجت اتوفى وساب لي اخواتي أمانة في رقبتي ، اتخليت عن حلمي واشتغلت ليل ونهار عشان اجوز الكبيرة واكمل تعليم الصغيرين وبمساعدة أمي وتدبيرها بعد كرم ربنا طبعا قدرت اجوزهم كلهم وبعد كده بعت المحل واديت لكل واحدة حقها وأجرت المحل اللي كان قدامك وجبت بضاعة بالسلف لحد ما وقفت على رجلي تاني
-إحنا ظروفنا متشابهة انا برضة اللي اتكفلت انا وأمي بتعليم إخواتي لحد ما كبروا وكل واحد شاف حاله وأني قبل ماتموت طلبت مني أتجوز أشرف ابن خالتي عشان هو اللي هيحافظ عليه ، عشنا سنين ماشفتش منه حاجه وحشة، لكن احنا الاتنين كنا مغصوبين على الجواز فمكناش مبسوطين عشان كده اتفقنا على الطلاق ونفضل أهل برضه، بس قولي ليه مافكرتش تتجوز بنت مش مطلقة زيي؟
فنظر إلى بعينيه اللوزيتين وقال:
-زي ماقلتلك انتي الوحيدة اللي عجبتني وماحستش إني ممكن أتجوز غيرك
-ولو حصل نصيب هنعيش فين؟
-في بيتنا أنا ليه شقة فوق شقة أمي لأني ما أقدرش أتخلى عنها وهي كبيرة، بس ماتخافيش هي عندها ست من قرايبنا كبيرة ومقيمة معاها
-سيبني أفكر وأرد عليك
- هتكلميني؟
-لأ خلي أختك تكلمني كمان يومين
ابتسم لأول مرة وانصرفت وأنا مشغولة البال ولا أعرف بم أجيبه؟
فكرت كثيرا ولم لا ؟ فأنا لم أعرف معنى الزواج الحقيقي واحتاج لرجل حقا أعيش في كنفه وأشعر بالأمان وإن لم نوفق سأطلب الطلاق ولن أخسر شيئا فأنا بالفعل أحمل اللقب ولن يضيرني شيئا ان حملته مرة أخرى. اتصلت بحسن لأعرف رأيه فقال بملل وكأني لا أعنيه:
-اعملي اللي انتي عايزاه ولو اني شايف ان جوازك احسن من قعدتك لوحدك اهو تلاقي خد يونسك في وحدتك واحمدي ربنا ان حد فكر فيكي بعد طلاقك
-معاك حق دي فرصة ولازم استغلها لأنها مش هتتكرر
-فعلا
-هتحضر معايا؟
-لأ مش فاضي انزل اجازة بس هابقى اطمن عليكي
-اطمن بس هاخليه يبقى يكلمك على الأقل عشان يحس ان ليه اهل وعندي راجل بيقف معايا
أغلقت معه والألم يعتصرني، هل هذا حسن أخي الذي كان يريد تحمل المسؤولية ومنعته حتى لا يضيع مستقبله؟ لابد أن هذا شخص أخر، هل غيرته الغربة وجعلته ينسى مسئولياته إم أنه تعود أن أحمل عنه كل مسئولية حتى اعتاد ذلك ؟ هل كنت مخطئة حينما لم أتركه يشاركني الحمل؟ او كنت مخطئة حينما قررت التضحية وحدي فصار حسن وحياة أنانيين بسببي؟ أنا لا أريد منهما جزاءا ولا حتى تقديرا ولكني أريد حبهما واهتمامهما كإخوة فهل هذا كثير؟ يبدو أنه كثير في زمن الكل يبحث فيه عن مصلحته.
انتظرت اتصال أخت عاصم وأخبرتها بموافقتي فطلبت مني أن تعطيه رقمي لنتفق على كل شيء فوافقت وبعد دقائق فوجئت باتصاله بقدر ما أسعدني اهتمامه الذي كنت في أشد الحاجة إليه ، بقدر ما أربكني فأنا لم أتعود على اهتمام أحد بي. طلب مني أن نعقد القران في نهاية الأسبوع حتى يستطيع الحديث معي براحته وحتى نستطيع تجهيز شقتنا معا بلا حرج فوافقته وطلبت منه أن يتصل بأخي ليتفق معه فوافق وأخبرني حسن أنه بارك الزواج واتفق معه ان الشبكة هدية منه والأثاث شيء يخصه لأنه لبيته لكنه اتفق معه على مؤخر ٥٠ ألف جنيه فوافق عاصم .
تم عقد القران في نهاية الأسبوع في إحدى قاعات المناسبات بأحد المساجد ودعوت له العاملات في المحل وجيراني وفاجئتني حياة بحضورها كان يبدو عليها الثراء بملابسها الفخمة وسيارتها الفارهة التي يقودها سائق ، وكمية الحلي الذهبية التي حرصت على ارتداؤها لترينا جميعا كم هي منعمة وتعيش في رفاهية. سعدت جدا بحضورها فحينها فقط شعرت ان لي أسرة وأهل يساندوني وخاصة أمام أهله الذين ازدحمت بهم القاعة.
قبلت حياة واحتضنتها فقالت بمرح:
-مش تعرفينا بعريس الغفلة
فناديت على عاصم لأعرفه بها فرأيت في عينيها نظرات إعجاب لم تخفها إنما قالت لي هامسة:
-إيه الصاروخ ده؟ لقيتيه فين؟ ده خطر على البشرية برجولته الطاغية دي
-بس بطلي هزار
-يابت باتكلم جد انتي وقعتي واقفة
عرفتها بأمه وأخواته اللاتي لم يكن راضيات عن تلك الزيجة وكان ذلك واضحا في أعينهم ولكني لم أبالي فكل ما يهمني عاصم.
تم عقد القران وإنا أرتجف فأنا أدخل بإرادتي عالما جديدا لا أعرف عنه شيئا ترى هل سأجد السعادة أخيراً أم أن قدري أن أحيا بلا سعادة؟!
أفقت على عاصم يهنئني ويطبع قبلة حارة على وجنتي جعلتني أرتبك وأخجل وتدفق الدم لوجنتاي فلما لاحظ تأثيره علي ابتسم وما أنقذني من ذلك التوتر إحاطة المهنئين بنا وانتظرت حياة حتى النهاية واقتربت من عاصم وقالت بدلال:
-مبروك يا عريس ربنا يسعدكم وخلي بالك من أختي
فأمسك عاصم بيدي وقال وهو ينظر إلي :
-ماتخافيش هابذل كل جهدي عشان أسعدها
-أنا واثقه من ده جدا انت تقدر تسعد أي واحدة
شعر بالارتباك من كلماتها ونظراتها فجذبني من يدي وبابتسامة صفراء قال:
-فرصة سعيدة عن إذنك عشان هنخرج نتعشى
فأمسكت بذراعه وقالت :
-تعالوا أوصلكم بعربيتي
فنزع يدها برفق وقال:
-شكرا معايا عربيتي
ذهبنا وسمعتها تقول :
-بقى إلهام تاخد الصاروخ ده وأنا أخد المكحكح ، يا بنت المحظوظة
تعجبت من كلماتها فهي من اختارت المال وأنا من جاءني قدري حتى عندي ولم أبحث عنه، عجيب أمر البشر لا يرضون أبدا بما لديهم كانت حياة تحلم بالثراء وعندما حصلت عليه، صارت تبحث عن الشباب.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-