روايه قلبي موجوع
الفصل السادس6
بقلم نجلاء لطفي
تعجبت من كلماتها فهي من اختارت المال وأنا من جاءني قدري حتى عندي ولم أبحث عنه، عجيب أمر البشر لا يرضون أبدا بما لديهم كانت حياة تحلم بالثراء وعندما حصلت عليه، صارت تبحث عن الشباب، ترى عندما تحصل على الشباب ستبحث عن أي شئ؟ إنها غير راضية وهذا ما سيتعبها دائما. أفقت من أفكاري على باب السيارة عندما أغلقه عاصم وجلس بحواري وقال:
-النهاردة أخيرا بدأت الدنيا تبتسم لي، بعد طول عذاب، أوعدك هابذل كل جهدي عشان أسعدك
ورفع يدي ومسها بشفاهه ليقبلها فارتجفت فتلك المرة الأولى التي يقبل يدي فيها أحد، فلاحظ ارتجافي فلم يعلق إنما اختفت ابتسامته وسكت للحظات ثم قال:
-وأول خطوات السعادة عشاء في مركب بياخد جولة في النيل ، كنت طول عمري معجب بيه بس أقول مش هاركبه غير مع اللي هاحبها وأهو الحلم اتحقق
وغمز لي بعينه فقلت متعجبة:
-انت حقيقي بتحبني؟ بس انت ماتعرفنيش
-فيه حاجات كتير ماتعرفيهاش عني وهتعرفيها مع الوقت
تحرك بالسيارة وهو ممسك بيدي وأنا مرتبكة وسعيدة في آن واحد فيبدو أن الله أراد أن يعوضني به عن كل سنوات العذاب والحرمان، وأن الله أراد أن يكافئني عن امتناعي عن الحرام رغم أنه كان حلا لكل مشاكلنا وكان سيوفر علي سنوات شبابي، لكني كنت أخاف الله كما علمنا أبي رحمه الله، كما يبدو أنني ظلمت عاصم عندما ظننته متجهم ومتوحش فها هو شخص لطيف ذو مشاعر رقيقه.
وصلنا إلى مكان المركب فركن سيارته ونزلنا وأمسك بيدي ودخلنا إلى منضدة محجوزة بإسمه وجلسنا فسألني إن كنت أريد أن أشرب شيئا قبل العشاء فأجبت بالنفي فطلب مني أن أختار الطعام فاخترت سريعا الأصناف التي أعرفها تجنبا للحرج، ونظرت من النافذة لأتأمل النيل الذي حلمت كثيرا أن أجلس على سور الكورنيش لأتأمله أنا ومن أحب فقط، ولم أتخيل يوما أن أجلس لتناول العشاء في مركب فخم بين هؤلاء الأثرياء مع شخص يحبني ونظرت إلى عاصم الذي كان يتحدث مع النادل وابتسمت فلاحظ ابتسامتي فأنهى كلامه وقال:
-بتبتسمي ليه؟
-طول عمري كان اقصى طموحي قعدة على الكورنيش مع كوز درة أو شوية لب، حتى لما كبرت وحالتي المالية اتحسنت كانت قعدة النيل مش في بالي لأني كنت مطحونة في شغلي وبس جيت انت النهاردة وحققت لي أكتر من اللي حلمت بيه.
-ممكن أسألك عن طليقك؟
-أشرف ده أخويا متربيين مع بعض من صغرنا اتشاركنا الأفراح والأحزان عمره ما كان ليه غير أخ وانا أخته، عشان كده جوازنا مانجحش ، انا كان نفسي أعزمه يقف معايا بس خفت منك ومن كلام الناس، حتى يوم فرحه مراته رفضت إني أحضر لأن محدش مصدق إننا إخوات وبس.
-لو عزمتيه كنت قتلته، عارفه يعني إيه أشوفه وهو كان عايش مع مراتي وبيلمسها، انا غيور جدا وده من أوحش عيوبي خلي بالك
سكت للحظات ثم قلت له :
-بس إنت وعدتني إنك هتكون حنين عليه و إني مش هاسيب شغلي زي ما اتفقنا
-وانتي وعدتيني تتحجبي زي ما اتفقنا
-ما أنا حطيت إيشارب وغطيت شعري
-لا ياقمر أنا عاوز طرحة طويلة ولبس واسع مايبينش جسمك وإلا كل يوم هاقتل تلاتة أربعة لما يبصوا عليكي وانتي ماشية
ابتسمت له فقد أشبع غروري الأنثوي وقلت في نفسي ( مابين رجل لا يبالي بي ولا يغار علي، ورجل يغار من خياله تتبدل أحوالي).
-لو تعرفي كنت باتجنن أد إيه وأنا شايف عيون الناس في الشارع بتاكلك وكمان سامع كلمات إعجابهم بيكي كان بابقى نفسي أخنقهم ، لكن بصفتي إيه؟
ضحكت وقلت:
-دلوقتي بقى عندك صفه أخنق واقتل اللي انت عاوزه وتكون النتيجة بعدنا عن بعض
-عشان كده عاوز لبسك واسع وطويل عشان ماحدش يتمتع بالجمال ده غيري
جاء النادل بالطعام وأنا أتعجب ممن يراني جميلة ويطربني بكلماته التي تحيي أنوثتي التي دفنت لسنوات تحت عبء المسؤولية.
تناولنا العشاء وهو يحكي لي عن طفولته وأسرته وارتباطه بهم وعشقه لوالدته وأنه لم يخالفها يوما سوى في رغبته في الزواج بي ، وأنها رضخت له أخيرا عندما وجدت ألا فائدة من معارضته فهي تحلم بزواجه وأن ترى أولاده.
بعد العشاء بدأت الفقرات الفنية بالغناء والرقص الشرقي فكان يدير وجهه عن ملابس المغنية المثيرة وعندما جاءت الراقصة شبه العارية قلت له:
-ينفع نطلع فوق؟
-أه طبعا انا كنت فاكرك مبسوطة
-لأ مابحبش الدوشة، ونفسي أشوف النيل
صعدنا لسطح المركب وطلبنا فنجانين من القهوة وجلسنا متجاورين نتأمل النيل والأضواء تتهادى مع موجاته الرقيقة فقلت له:
-تعرف إني عمري ماتخيلت إني هتجوز حد يحبني، كنت بافكر إني ممكن أتجوز إنسان مناسب وبس لكن يحبني ده كان حلم بعيد أوي، لكن إنت ماقلتش حبتني ليه وإمتى؟
-زمان أول ما جبت العربية وكنت فرحان بنفسي كنت ماشي في شارع ضيق وفجأة طلع قدامي بنتين جيت أفرمل مالقيتش فرامل وعشان اتفاداهم خبطت في الرصيف، قامت الصغيرة بهدلتني وصممت تاخدني القسم لكن الكبيرة خافت عليه وسألتني بلهفة انت كويس؟ ورفضت تعملي محضر وقالت احنا كويسين وربنا يعوض عليك، كانت بنت بسيطة لكن عينيها شدتني لها وحسيت إني متخدر مكاني، كمان لفت نظري طيبيتها وحنيتها، طبعا بسبب العربية اللي باظت ماعرفتش ألحقهم وجيت الشارع أكتر من مرة عشان اشوفها لكن مالقيتهاش، ماقدرتش انسى طيبة قلبها ولا نظرة عينيها،كنت باحلم بيها لسنين وقلت هتكون ليه، بعد سنين كتير لقيتها بتسكن قدامي لكن متجوزة كانت صدمة كبيرة على قلبي، كده أملي ضاع وكنت باتقطع كل ما أشوفها وياريتها سعيدة ، كنت باشوف دايما نظرة الحزن في عينيها ، ولقيت جوزها مش مقدرها وهي دايما لوحدها، كنت هاتجنن لا أنا قادر أوصل لها ولا قادر أبطل تفكير فيها، كنت باخانق دبان وشي لأني حاسس إني متكتف ومخنوق ، حلمي قدامي ومش قادر أطوله ، لكن رحمة ربنا بيا كانت كبيرة لما عرفت إنها اتطلقت وجريت أطلبها قبل أي حد تاني لأنها لو اتجوزت غيري كنت يا هاموت يا هاموته، صحيح أنا مش أول راجل في حياتها وده مضايقني كتير ،لكن متأكد إني هاكون أول راجل حقيقي بيحبها ويصونها في حياتها، وهيفضل يحبها لأخر العمر.
سكت وأنا مذهولة وبعد لحظات استجمعت شتات نفسي وقلت:
-إنت حقيقي؟ أنا عمري ماتخيلت إني هاقابل الحب ولما أقابله يكون بالشكل ده، أنا فاكرة الحادثة بس عمري ماربطت بينها وبين صاحب المحل العصبي اللي بيخانق الكل، وعمري ما تخيلت إنك كنت بتسيبني أركن مكانك عشان بتحبني
-دي اللحظة الوحيدة اللي كنت باشوفك فيها من قريب وكانت أسعد لحظات حياتي.
كان سطح الباخرة خاليا فالكل يستعد للنزول إلى البر ، فاقترب مني وقال هامسا:
-بحبك وما أقدرش أعيش من غيرك
ثم اقترب مني وقبلني في شفتاي برقة فارتجف جسدي كله بشدة فابتعد عني وقال بهدوء ولمحات حزن ارتسمت في عينيه:
-يالا عشان وصلنا
نزلنا معا وهو ممسك بيدي وركبنا السيارة فنظر إلي وقال:
-ليه بتترعشي كل ما بالمسك؟ هو انتي خايفة مني ولا مش قابلاني؟
-لا ده ولا ده انا بس لسه مش متعوده عليك اديني فرصة احنا عرفنا بعض من أسبوع بس وده مش كفاية.
قاد السيارة في صمت حتى وصلنا لمنزلي وأصر على أن يصعد معي حتى باب شقتي ، وعندما وصلنا استدار ليمشي وفي عينيه نظرة حزن فناديت عليه:
-عاصم تصبح على خير
وقبلته في وجنته ثم دخلت مسرعة وأغلقت الباب كأني مراهقة صغيرة، كم كان جسدي يرتجف وقلبي يخفق بشدة فيبدو أني وقت صريعة لهوى المتجهم.
قضينا الأيام التالية في إعداد شقة الزوجية وشراء الأثاث وتغاضيت عن كل محاولات أمه لإفشال الزواج وسوء معاملتها لي وعذرتها لسببين فهي تظنه ملكا لها وأني تعديت على ملكيتها، والثانية أنها كانت تريد له بكرا لا مطلقة،حتى فكرت تحت ضغط سوء معاملتها أن أخبرهم أني مازلت بكرا لكني تراجعت خوفا على سمعة أشرف فهو لايستحق مني هذا.
بعد أن انتهينا من تأثيث الشقة أرادت أمه اختلاق مشكلة جديدة عندما أصرت على إقامة حفل زفاف كبير ، متجاهلة رغبتي أنا وعاصم في إقامة حفل صغير يضم العائلتين فقط وقالت لي بسخرية:
-انتي مش عايزة حفله عشان متطلقة لكن ابني دي أول فرحته واحنا كلنا عايزين نفرح بيه
-وماله يا خالتي اللي عاوزاه نعمله المهم عاصم يكون مبسوط وانتم كلكم مبسوطين
فقال عاصم بحب:
-أنا مبسوط طول ما انتي معايا يا حبيبتي
فقالت أمه بتهكم:
-وياترى هتلبسي فستان لونه إيه؟
-أبيض يا خالتي طبعا
-بس انتي متطلقة
-مش مهم أصلي لا اتعملي فرح ولا لبست أبيض قبل كده ولا فرحت قبل عاصم ، فمعاه هاعمل كل اللي ماعملتوش وأفرح وأفرحه ..قصدي أفرحكم
-وماله ياختي
ثم أضافت بصوت خفيض لكنه مسموع :
-عيني عليك يا بني طول عمرك بختك قليل
لم أهتم بما تقول أو تفعل فأنا سعيدة بحب عاصم وأنوي أن أجعل زواجي ناجحا، فلن أجعل كلماتها تنغص علي فرحتي التي أتت بعد سنوات عذاب لتحييني بعد طول موات، لن أفرط في مثل هذا الحب لأي سبب فالحب الصادق نادر في تلك الحياة.
أقمنا حفلا في إحدى القاعات المتوسطة لأن كل امكانيات عاصم المالية استنفذناها في تأثيث الشقة ، فأقرضته مبلغا من المال ليحقق رغبة والدته ولا يكسر فرحتها، ووعدني بسداده بعد الزواج وبالفعل وفى بوعده.
في يوم الزفاف اشتريت فستانا من محل أعرف صاحبته ففصلت لي فستانا مخصوصا بثمن زهيد لأنها ستقوم بتأجيره بعد ذلك ، كان فستانا من الدانتيل المرصع باللؤلؤ يلتصق بجسدي حتى فوق الركبة ثم يتسع بعد ذلك ووضعت طرحة طويلة وعليها تاج من الماس -الزجاجي طبعا- والقليل من الزينة، وعندما جاء عاصم لاصطحابي أصرت أمه على الحضور معه وعندما رأتني لم تستطع الحديث إنما قالت بوجه باهت:
-مبروك يا عروسة مش هاوصيكي على ابني ده نور عيوني
-وأنا هاشيله في عيوني يا خالتي
اقترب عاصم مني مبتسما وقبل جبهتي وقال هامسا :
-مبروك يا عروسة بس هاموتك على الماكياچ اللي مخليكي قمر وانتي عارفة اني باغير على الجمال ده.
ابتسمت فامسك يدي بقوة واتجهنا للسيارة التي يقودها صديقه وأرادت أمه أن تجلس بحوارنا فأسرع ليفتح لها الباب الأمامي وقال مبتسما:
-اقعدي قدام يا ست الكل عشان ركبك واجعاكي
وساعدها على الركوب برفق ثم امسك بيدي وادخلني وهو يهمس:
-ماتزعليش بس برضه دي أمي
-بالعكس اللي مالوش خير في أمه مالوش خير في مراته
ابتسم لي وبمجرد دخولنا قبل يدي وظل يهمس في أذني بكلمات الحب وقلبي يخفق فرحا، انتهى الفرح بصخبه وضجيجه ولم يسمح لي عاصم بالرقص ولم أرغب لأني أخجل أن أرقص أمام الجميع، وكالعادة اعتذر حسن عن الحضور وحدثتني حياة وأخبرتني أنها في باريس مع زوجها وعند عودتها لابد أن تأتي لزيارتنا فشكرتها، لكني كنت أتمنى وجودهما معي في هذا اليوم فهما كل أهلي .
أوصلنا أمه لشقتها وصعدنا لشقتنا ورفض عاصم صعود أي شخص معنا حتى أمه، وبمجرد إغلاق الباب قال لي:
-غيري هدومك وتعالي نصلي سوا
أبدلت فستاني سريعا وارتديت قميص نومي وفوقه الاسدال وتوضأت وصلينا معا وبعد الصلاة قبل رأسي وامسك بيدي لأنهض فشعر بارتجافة جسدي رغما عني فقال بغضب:
-مش فاهم ليه كل ما بالمسك بتترعشي هو انتي مش طايقاني؟ ولا خايفة مني؟
سكت ولم أجبه فقال بحدة :
-وياترى كنتي كده مع طليقك؟
-لأ لأنه عمره مالمسني
-إيه؟ مش فاهم قصدك
-عمره مالمسني طول سنين جوازنا
-أمال كنتم عايشين إزاي؟
-قلت لك كنا اخوات ماصدقتنيش
ابتسم واقترب من وأمسك بذراعي برقة وقال:
-قصدك إني الأول في حياتك؟
فأومأت له بالإيجاب فخر ساجدا ليحمد الله ثم نهض وضمني لصدره برفق وغمرني بقبلاته وهو يهمس لي:
-وانتي أول وأخر حب في حياتي.